الـــحسـد | الموقع الرسمي للشيخ سلطان الشهري
الـــحسـد
  • الخميس, نوفمبر 28th, 2013
حجم الخط

الكاتب / الشيخ صالح الفوزان

خلق ذميم، حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته، ونهاهم عنه ألا وهو الحسد، قال صلى الله عليه وسلم: “دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ“، وقال صلى الله عليه وسلم: “لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ َلاَ يَحْقِرُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ ولا يُسلمُهُ، بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ“.

والحسد هو أعظم الأدواء التي دبت إلى هذه الأمة لما يترتب عليه من الآثار القبيحة، والحسد معناه: تمني زوال النعمة عن المحسود، إذا رأى على أخيه نعمةً من الله فإنه يتمنى أن تزول عنه، لا لشيء إلا لأنه يبغضه، فإذا أبغضه حسده، والحسد داءٌ قديم، أول من حسد إبليس لعنه الله، حسد أبانا آدم عليه السلام، على ما أعطاه الله من الفضائل، حيث خلقه بيده، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له ملائكته، وأسكنه جنته، عند ذلك غضب إبليس وأبى أن يسجد مع الملائكة: (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ)، لما قال لهم ربهم أسجدوا لآدم سجدوا: (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ)، (أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ)، وذلك لأنه حسد آدم عليه السلام على ما أتاه الله من هذه الفضائل فأبى أن يسجد له فتكبر زاعما أنه أفضل من آدم، لأن الله خلقه من النار وخلق آدم من الطين، وبزعمه أن النار خيرٌ من الطين، ولما تكبر على آدم وحسده طرده الله جلَّ وعلا ولعنه، كان في أول مع الملائكة يعبد الله في السماء، ثم لما حسد آدم طرده الله ولعنه وأنزله من السماء إلى الأرض

كذلك الله جلَّ وعلا قال: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) هابيل وقابيل ابني آدم: (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الآخَرِ) فالذي تقبل الله منه من المتقين، والآخر ليس كذلك، والله جلَّ وعلا يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)، فحسد آخاه وقال: (لأَقْتُلَنَّكَ)توعد أخاه بالقتل، فقال له أخوه: (لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ) يخاف الله عزَّ وجل، ويهاب أن يقتل أخاه، فما كان من هذا المجرم الظالم الحاسد إلا أن أقدم على قتل أخيه: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ)أولا: قطع الرحم، وثانيا: حسد أخاه على ما خصه الله به من تقبل قربانه:(فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنْ الْخَاسِرِينَ) خسارةً لا عوض لها ولا تنجبر أبدا، كل ذلك بسبب الحسد – والعياذ بالله

اليهود لما بعث الله نبيهم محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين وأفضل الأنبياء والمرسلين، ورأوا أنه من ذرية إسماعيل حسده، لأنهم كانوا يريدون أن يكون النبوة في بني إسرائيل، يعترضون على الله سبحانه وتعالى، ويمنعون فضل الله أن يؤتيه من يشاء فحسدوا محمدا صلى الله عليه وسلم فكفروا به وهم يعلمون أنه رسول الله (يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ) لما يجدونه من أوصافه في التوراة والإنجيل، يعرفونه لم يعادوه أو يجحدوا رسالته عن جهل، وإنما عن حسد، حملهم ذلك على الكفر، فانظروا إلى الحسد كيف يجر إلى قتل النفوس، ويجر إلى الكفر وهو أعظم –والعياذ بالله -، ويجر إلى لعنة الله كما حصل لإبليس.

رسول صلى الله عليه وسلم حذرنا منه وقال: “لاَ تَحَاسَدُوا” هذا نهي من الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحسد فيما بيننا، فمن رأى على أخيه نعمة فإنه لا يحسده عليها، وإنما يسأل الله أن يرزقه من فضله قال الله جلَّ وعلا: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ)

لا تعترض على الله سبحانه وتعالى، لا تعترض على الله في قضائه وقدره، ولا تقول فلان ما يستحق هذا الشيء كما نسمع من بعض الناس، والله فلان ما يستحق هذا، ليش فلان كذا وكذا، أو إذا نزلت مصيبة بأحد قال إن فلان قال جيد وأنه ما يستحق هذه العقوبة، كأنه يعترض على الله سبحانه وتعالى.

الحسد داءٌ وبيل، فاستعيذوا بالله من الحسد، الحسد كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: “أنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ“، فاحذروا.

تنموا لإخوانكم الفضل والنعمة، بعدما تتمنون ذلك لأنفسكم، هذه علامة الإيمان، المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، هذا هو المؤمن: “لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ“، اليهود ما منعهم من الإيمان وجرهم إلى الكفر والإقدام على النيران وعلى غضب الله إلا الحسد، (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً) ما هو السبب؟ (حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ الْحَقُّ).

النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا حسد إلا في اثنتين يعني لا غبطه إلا في اثنتين، رجل آتاه الله علما فهو يعلمه للناس وينشر العلم، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه في سبيل الله عز وجل” فيتمنى هذا مثل أخيه أن يرزقه الله علما يعمل به، وأن يرزقه الله مالا يتصدق منه فنيته صالحة، قال صلى الله عليه وسلم: “فهما في الأجر سواء“، هذا بعمله وهذا بنيته.

ومن أضرار الحسد، الحسد قد يكون بين أفراد، قد يكون بين جماعات، قد يكون بين بلد وبلد، قد يكون بين قبيلة وقبيلة، فيسبب ذلك حرمانهم من المشاريع التي تنشئوها الدولة لمصالحهم، إذا تحاسدوا لم يحصلوا على شيء من المشاريع الخيرية للبلد وللجماعات وللأفراد، وكم عطل الحسد من مشاريع كانت مبذولة؟ لو أنهم اجتمعوا وطلبوها ورغبوا فيها لنفعتهم جميعا، فإذا تحاسدوا منعت منهم جميعا، فصار الضرر عليهم جميعا.

مقتطفات من خطبة الجمعة للشيخ صالح بن فوزان الفوزان

 

 

مواضيع قد تعجبك


أترك تعليق