المعبر والمؤلف والباحث في علم التعبير | الموقع الرسمي للشيخ سلطان الشهري
المعبر والمؤلف والباحث في علم التعبير
  • الأربعاء, أبريل 22nd, 2020
حجم الخط

الكاتب / سلطان علي الشهري

بسم الله والصلاة على رسول الله وبعد،،،

عند الحديث عن معبر الرؤى، والمؤلف لكتب تفسير الأحلام، والباحث في مجال المنامات وتعبيرها؛ يلزمنا ابتداءً التفريق أو التوفيق بينهم. لهذا يوجد بدهيات يسيره للتفريق بينهم ومنها:

  • كل باحث مؤلف، وليس كل مؤلف باحث.
  • كل باحث معبر، أما المعبر فليس شرطاً أن يكون باحثا.
  • كل مؤلف معبر، أما المعبر فليس شرطاً أن يكون مؤلفا.

فمن يكون المعبر ومن يكون المؤلف ومن يكون الباحث؟ وهل بينهم فروق جوهرية أم لا؟

معبر الرؤى والأحلام هو من رُزق موهبة التعبير والفراسة، أو تعلم التعبير، أو جمع بينهما. فعند ورود الرؤيا إليه تحضره الفراسة الموهوبة من الله؛ فتتكون لديه صورة كبرى أو عامة عن معنى الرؤيا بعد توفيقها مع حال الرائي، وبعد ذلك يوظف الرموز كلها أو جلها حول المعنى الذي وصل له وأخيراً يخصص أو ينتقي جزءاً من الصورة الكبرى بحيث تتماشى وتتماهى مع سياق المنام، فيحصل على التعبير النهائي للرؤيا. وهذه العملية تلقائية ليس فيها ترتيب أو تخطيط بل سريعة الحصول والوصول.

أما المؤلف لكتب تعبير وتفسير الأحلام فهو معبر لديه موهبة وخبرة وأجاد هذا الفن حتى تكونت لديه ملكة استطاع من خلالها على جمّع معارفه وتجاربه وخبراته وما تحصل عليه من علوم؛ على شكل بُنية إنشائية، ثم قام برصها وترتيبها في أبواب وفصول متناسقة. والمؤلفون درجات في الموهبة وجودة الإنتاج كما هو حال المعبرين.

الباحث الشرعي في علوم تعبير الرؤى والأحلام والمنامات، أعلى بدرجة من المؤلف، والمؤلف أعلى بدرجة من المعبر، فالباحث مؤلف ومعبر ولديه خصال تزيد عنهما وعنده ملكة فكرية؛ ويتبع منهجية علمية للبحث في علوم تعبير المنامات والأحلام ويستخدم موهبته التعبيرية وقدرات ليست متوفرة عند غير الباحث، منها: التفكير الناقد، والتأمل، والإحاطة، والقدرة على التأويل، والاستنباط والاستقراء، والمقارنة، والربط بين المقدمات والنتائج وبين الجزيئات والعموميات، وتحصيل مقاربات حول المواضيع البحثية، ومن خلال ما سبق يخرج في نهاية البحث بنتائج تقرر ما افترضه في بداية بحثه أو إجابات لتساؤلاته البحثية. بل وإن الباحث الموهوب قد يصل لنظريات ونماذج وقواعد لم يسبقه أحد عليها، أو على أقل تقدير يضيف بناء على بناء من سبقه فيعمل على مساهمة هامة فيما يعرف بالتراكم العلمي والمعرفي.

والبحوث العلمية الحديثة أحد نوعين وهي: البحوث الكمية أو البحوث الكيفية أو النوعية، والبحوث الشرعية بجميع تفريعاتها تكون إما بحوث نوعية كيفية أو بحوث تأصيلية، أما البحوث الكمية فقليل استخدامها في المجالات الشرعية وهي لا تبتعد أن تكون بحوث أداء وتقويم لمعرفة جودة المخرجات التعليمية أو إحصائية مثلاً لمعرفة كفاية المراجع وصلاحيتها في الأقسام الجامعية الدينية، والبحوث التأصيلية عرفت منذ القدم عند العلماء المسلمين وتزداد أهميتها مع تقادم العلوم الشرعية وزيادة المنتجات الشرعية، وكذلك البحوث النوعية ذات أهداف قيّمة وخلّاقة.

وتتفرع من البحوث التأصيلية والبحوث النوعية الشرعية مناهج تشترك فيها مع سائر البحوث العلمية في جميع التخصصات الإنسانية، ومنها المنهج الاستطلاعي الاستكشافي والمنهج التاريخي والوثائقي والمنهج الوصفي والتحليلي والمنهج الظاهري أو الظاهراتي ومنهج تحليل الخطاب، ومن المناهج الحديثة التي لم أقف على استخدامها في العلوم الشرعية والدينية المختلفة؛ المنهج المجذر والمنهج السيميائي.

يقصد بالدراسة التحليلية دراسة النص أو الظاهرة بصورة معمقة من خلال البحث في جوانبه المختلفة، وعرض الآراء المختلفة ثم الترجيح بينها والترجيح له طرق وأساليب محددة، ويستخدم الباحث في ذلك الأدوات البحثية المتاحة للوصول إلى أفضل نتيجة في تحليل الظاهرة أو النص موضع الدراسة. ويقصد بالدراسة التأصيلية العناية بتأصيل المسائل والمباحث محل البحث وردها إلى أصول الفن الذي تنتمي إليه، وبيان كيفية نشأتها ومراحلها وتطورها ومصادرها وتفرعاتها، والغرض من ذلك ربط الفروع بالأصول، أو دفع توهم أن المسألة محل البحث لا تنتمي لأصل من أصول العلم.

وبعد هذا الشرح المختصر حول البحوث العلمية والشرعية أنواعها ومناهجها، فيمكننا القول بأن مسمى باحث يطلق على فئتين هما الباحث العلمي وهو ينتمي لمجال البحثي العلمي السابق ذكره، والفئة الأخرى هي فئة الباحث العملي والتطبيقي وهم من يعملون في المجالات الخدمية والخاصة الإدارية والميدانية وغيرها مثل الباحث الاحصائي والباحث العمالي وباحث شؤون الموظفين والباحث الاجتماعي. أي أن الباحث العلمي ومنهم الباحث في علوم التعبير والمنامات يستخدم مناهج علمية وأدوات خاصة لكي يصل للنتائج التي تقترب من الحقيقة، بينما من يطلق على نفسه باحث في مجال تعبير الرؤى وهو يقصد أنه له خبرة وباع في التعبير والقراءة والمطالعة والمدارسة؛ ليس باحثاً إنما مهتم بالحقل أو مؤلف محتمل أو خبير أو موهوب في مجال التعبير.

وبعد هذا التفنيد والتفقيط وعرض الجدليات وتبريرها؛ هل يمكن للمعبر أن يكون مؤلفاً أو باحثا؟ .. نقول بعد أن نستعين بالله على مخارج الفكرة والكلمة وعلى كل حال، كما أن موهبة التعبير إذا لم يجربها صاحبها فلن يتم التعرف على موهبته في تعبير الرؤى والأحلام وهذا هو الحال في جميع المواهب التي يهبها الله لعباده. فعلى المعبر الموهوب صاحب الخبرة والدراية أن يجرب ترتيب أفكاره وتجميع قواه وخبراته محاولاً تنظيمها ومن ثم تشكيل رؤية حول زاوية يريد أن يُخرِج فيها ما لديه في قالب فكري ثقافي يمكن كتابته وطباعته.

وماذا عن الباحث؟ ..كما هي الفكرة السابقة للتأليف تكون في البحث أيضاً على شرط مهم هو معرفة أنواع البحوث العلمية ومناهجها وأدواتها، ويمكن تحصيلها من الكليات والجامعات أو بالتعلم من خلال مصادر التعلم الحديثة تحت مؤسسة علمية وفي فترة دراسية مناسبة، أو أن يثني ركبتيه عند علماء الدين حتى يفهم كيف يمكن القيام بدراسة تأصيلية في علوم تعبير الرؤى والمنامات.

والله سبحانه أعلى وأعلم

مواضيع قد تعجبك


أترك تعليق